الأربعاء، 11 يناير 2012

"خـــــــالـــــــــد"


"الرزق يحب الخفية" انه مثل شعبي مصري يدل على أهمية السعي في الحصول على الرزق, "خالد" جسد لي هذا المثل...
يقيم "خالد" ابن الاثنى عشر عاما بنفس البناية التي أسكنها، إنه من الأطفال الذين تراهم خارج المنزل أكثر مما تراهم داخله،وفي حالات احتياجنا لشراء أي شيء ضروري لا يستحق عناء الارتداء والنزول لجلبه علينا فقط فتح النافذة والبحث عن خالد في الجوار، كنت أرى ذلك نوع من الاستغلال للصبي بحكم معرفتنا بوالدته وصلتنا به كجيران، كان خالد مطيعا لمطالب والدتي قبل سنوات برغم أنه من الاطفال الذين يستحقون لقب"أشقياء" عن جدارة، بدأ خالد يكبر وبدأ يفكر في ما لم أتصور ان يفكر فيه عقل طفل في العاشرة من عمره, فأصبح حينما يجلب لنا أي طلب يبتاع لنفسه شيئا ويخبرنا ولم نكن نعترض في البداية، ثم بدأ خالد يطلب مالا مقابل خدمته تارة ، ويعتبر القروش الفائضة مما ابتاعه حقا له تارة ، حقاً لم يكن يعجبني ذلك فلا أحب الاستغلاليين فما بالي بطفل يحاول إستغلالي دائما!! لكنها الحاجة... جعلتنا رويدا رويدا نعرض عليه بأنفسنا مقابلا لأي خدمة يقم لنا بها...
يعلم"خالد" أن أمي تجيد صناعة الحلويات ففي عيد ميلاده لا يبتاع كعكة عيد ميلاده من محال الحلويات، لكنه يأتي لأمي ويخبرها أنه سيقوم بطلباتها مجانا مقابل عمل كعكة عيد ميلاده بيديها ويسألها عن المواد الخام التي تستخدمها لصنع الكعكة ويحضرها بنفسه،خالد ابن العشر سنوات يعلم أن ذلك أوفر كثيراً له وهو كما يريد ان يحتفل يريد أن يحتفل بأبسط التكاليف أو على قدر امكانياته...
بالأمس كان موعد انتخابات مجلس الشعب بمحافظتي، بنايتنا تطل على مدرستي الابتدائية ولحسن حظ "خالد"أقيمت بها لجان انتخباية، كان ذلك حدثا عادياً بالنسبة لنا، لكنه لم يكن كذلك ل"خالد" الذي بات سعيدا به، وظل يفكر كيف يحقق مكسبا من توافد الناس في ذلك اليوم وما الخدمة التي يحتاجونها، إلى أن هداه تفكيره لما جعلني أعجب بخالد وأفكر فيه طيلة يومين على الرغم من كرهي للاستغلال..
استيقظ خالد صباح الأمس في السابعة ونزل للشارع بحثا عن بعض الحطاب الصغيرة التي جمعها ليشعل بها "الكانون" (ولمن لايعرف" الكانون" فهو عبارة عن قطعة من الحديد تشبه الصينية ولها أرجل يوضع بها الحطب ويتم اشعاله للتدفئة ولصنع الشاي على الحطب)، وكانت خطة خالد..عمل "الشاي" على "الكانون" وبيعه للوافدين على اللجنة الانتخابية وخطط جيدا لها قبل أن يذهب للنوم اول أمس، وجلس خالد طيلة اليوم الأول يقدم "الشاي" للمنتخبين مقابل جنيها واحدا، للكوب ومن يقاوم الشاي في المعتاد لا يستطيع مقاومته على نار الحطب...
كنت أتابع خالد وفرحته باقبال الناس عليه، ثم وهو يحسب ما حصل عليه بالورقة والقلم، ثم سعادته بالمبلغ الذي كسبه آخر اليوم، وتابعته اليوم بعدما ربحت فكرته وحضر أصدقاءه ليساندوه في الصباح، ولكن أبى المرشحون أن يشرب المنتخبين الشاي مقابل المال فوضعوه في خطتهم وأحضروه مجانا للناخبين، ولم يغضب خالد بل إكتفى بما حققه على مدار اليوم ونصف وكانت لذة انتصاره تعلو وجهه خاصة حينما ارسلت في طلبه لسؤاله عن الفكرة وكيف خطرت له وكيف أعد لها...
لم أعد أرى خالد طفلا مستغلا،بل تخيلت للحظة أنني قد أسمع يوما ما عن "خالد" رجل الأعمال الناجح كما نسمع عن "عماد الفايد" فالرزق يحب"الخفية"، ومن يفكر ويحاول وينفذ أفضل ممن لا يتحرك، وها أنا أصبحت أنظر لخالد نظرة مختلفة وحقاً أعجبني ما فعله"خالد"..

4/1/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يا ترى عيونك بتقول ايه؟؟؟